الأربعاء، 24 فبراير 2016

احلام اليقظة البعيدة القريبة





منذ ان وعيت للحياة لم اعرف لى اما ولا ابا ولا عائلة.. وانما سمعت الجميع يقولون انه كان لى بيت واب وام ككل الأطفال ثم انهار البيت على من فيه فلم ينج من اهله سواى عندما كان عمرى عامان فضمنى بعض الجيران اليهم ونشأت بينهم وقمت بخدمتهم والحقونى بالمدرسة حتى بلغت الثانية عشرة ثم وجدت نفسى مرة اخرى وحيدا تماما فى ظروف لا احب ان اتذكرها فخرجت الى الحياة صبيا وامضيت الليالى نائما بلا غطاء

و فى مستودع للأخشاب وفى الصباح اذهب الى مدرستى ثم اعود فيها الى العمل ومضت بى الحياة هكذا انتقل من عمل الى عمل واكسب رزقى واذاكر دروسى واؤدى امتحاناتى وأنا وحيد تماما فى الحياة كشجرة نبتت خطأ فى الصحراء القاحلة الى ان التحقت بكلية التجارة وبلغت العشرين ومازلت اواصل دراستى بنجاح .. اكسب ما يكفى متطلبات حياتى البسيطة ونفقات تعليمى ومظهرى كطالب جامعى.. ثم بدأت تلح على منذ شهور امنية طالما تخيلتها فى احلام اليقظة وتجسدت لى فى احلام الليل كأنها واقع جميل. فقد تمنيت دائما ومنذ كنت فى الثانية عشرة ان يكون لى ام توقظنى فى الصباح لأذهب الى المدرسة وتصنع لى بعض السندوتشات وتنهرنى كل صباح لأشرب كوب اللبن.. فأشربه متأففا من مذاقه الذى لا احبه، ثم احمل كتبى واودعها واذهب الى مدرستى نشيطا مبتهجا واعود اليها فى الظهر فأجدها فى انتظارى لتسألنى عما فعلت فى يومى واروى لها عما اسعدنى او ضايقنى من زملائى او من المدرسين واتناول طعام الغذاء التى صنعته لى بيديها.. وانتظر كوب الشاى لأشربه ثم ابدأ مذاكراتى وعندما يتقدم الليل اجلس الى جوارها لاشاهد التلفزيون.

واتمادى فى احلامى فأراها فى ليالى الامتحان تسهر بجوارى وتودعنى بدعواتها فى الصباح وتنتظرنى بلهفة عند العودة وتفرح حين ازف اليها خبر نجاحى .. وكنت اعود من المدرسة وقد علمت بنجاجى الى عمل فلا انطق بحرف عنه ولا يسألنى احد عن النتيجة الا مصادفة وبعد ظهروها بأسابيع اننى لا اعرف لماذا تلح على هذه الخواطر الآن فأتذكر فجأة انى لم اقل لأحد ابدا طوالى حياتى ياأمى او ياأبى او يأخى ولا أعرف لماذ اشتدت حاجتى العاطفية الملحة هذه وانا فى سن العشرين الى ام تحنو بل وتقسو على ايضا من اجل مصلحتى فى حين ان بعض زملائى يضيقوم بقيود ابائهم وامهاتهم .. ويتمنون ان يكونوا احرارا من هذه القيود..

اكتب اليك ياسيدى لأطلب منك طلبا قد يبدو غريبا لكنة لا يعرف اهميته الا من عاش مثل ظروفى .. اننى اريد اما تهتم بأمرى وتشخط فى اذا رأت فى سلوكى ما ترضاه لى . اننى لا اريد منها اى مسؤولية مادية عنى لأنى اعمل واتكفل بنفقات حياتى وانما اطمع منها فقط فى الرعاية الروحية والعاطفية لمن كتبت عليه الأقدار ان يحرم منها فهل يمكن ان اجد من تتبانى روحيا وتسمح لى بزيارتها من حين الى آخر. وتسمح لى بأن انتسب اليها وان ادعوها امام الآخرين ولو مرة واحدة فى عمرى "يأمى"؟

ولكاتب هذه الرسالة اقول:

لا ياصديقى لم تسرف فى احلامك ولم يختل تقديرك بل عبرت ـبصدق مؤلم ـ عن آفة الانسان الذى قال شكسبير فى رائعته هاملت ان العادة تخلق عنده احيانا الشعور بالاستخفاف فلا يعرف للأشياء قيمتها الحقيقية مادامت متاحة له وفى متناول يده ومن حقائق حياته.. ورسالتك تصور هذا الخطأ البشرى اصدق تصوير وانت تتحدث عمن يضيقون بقيود الأهل الحريرية غير مدركين انها قيود مجدولة من خيوط الاهتمام الانسانى الذى يفتقده آخرون.
فالانسان يحتاج دائما الى من يهتم بأمره خاصة فى سن الصبا والشباب فعسى ان تنزل رسالتك المؤلمة هذه ماء باردا فوق رؤوس من لا يفهمون دوافع هذا الاهتمام.. ولا يقدرنه حق قدره وعسى ان استطيع ان احقق لك ما تتصوره حلما من احلام اليقظة فما اكثر من يسعدهم الاهتمام بأمر شاب محروم مثلك وما اكثر من يرون فيه عبادة وقربى لله وتعويضا لهم عن جراح الحياة الدامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق